في غرفة “الإحباطات الموجهة” في مقر سلاح الجو بالكرية، تجمع يوم الجمعة، 27 أيلول/سبتمبر من العام الماضي، عشرات الضباط بينهم رئيس الأركان هرتسي هاليفي، قائد سلاح الجو تومر بار ورؤساء شعبة الاستخبارات. كانت الغرفة مكتظة، والتوتر يملأ الأجواء، وعيون الحاضرين مركزة على الشاشات أمامهم. ساد الصمت لدقائق طويلة، والصوت الوحيد الذي سُمع كان صوت العميد (أ) قائد خلية الإحباطات الموجهة في سلاح الجو والجيش كله، وهو من أدار العملية وأعطى الأوامر الأخيرة للطيارين، للمراقبة الجوية ولرجال الاستخبارات الجالسين إلى جانبه.
في تلك اللحظة، كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يقف على منصة الخطابة في مبنى الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بينما كل الأنظار الإعلامية موجهة نحوه من دون علم بالدراما التي كانت على وشك الانفجار. بعد دقائق من انتهاء خطابه، تلقى العميد (أ) الإذن. واحداً تلو الآخر انطلقت على مدرج قاعدة حتسيريم عشرات الطائرات القتالية من طراز F-15 التابعة لسرب “المطارق” (69). أقلعت الطائرات محملة بالصواريخ والقنابل الثقيلة، واتجهت مباشرة إلى البحر المتوسط نحو سواحل بيروت. كان الطيارون قد تدربوا عشرات المرات على الهجوم النهائي، وكل واحد منهم يعرف ترتيبه في تنفيذ الضربة.
الهدف كان في حي الضاحية الجنوبية في بيروت. خلال 12 ثانية فقط ألقت عشرات الطائرات 83 قنبلة وصاروخاً على المجمع الذي كان صغيراً فوق سطح الأرض، لكنه احتوى تحته مجمعاً كبيراً على عمق 20 متراً. بعض القنابل خُصص لاختراق العمق، وبعضها الآخر لإغلاق المداخل ومنع الخروج من البونكر. الطائرات نفذت الهجوم دفعة واحدة ثم اختفت بسرعة كما جاءت. بعد ثوانٍ معدودة فقط، أدركت الخلية أن عملية “نظام جديد” اكتملت. سادت مشاعر الارتياح، لكن الجميع انتظر ليتأكد: هل تمت تصفية حسن نصرالله، زعيم حزب الله؟
بعد مرور عام على الحدث التاريخي الذي غيّر وجه الشرق الأوسط، كشف العميد (أ) عن استعدادات العملية. قال: “الحدث بدأ في السابع من أكتوبر، نحن هنا نتعامل مع إحباطات، خاصة إحباط شخصيات بارزة. العمل كان مشتركاً بين الاستخبارات والتخطيط، أشبه بلعبة بين أخذ ورد حتى نضجت الظروف. كان لا بد من تحديد مكان وزمان دقيقين، ومعرفة أن لدينا السلاح المناسب للهدف. الدقة تصل إلى متر أو متر ونصف، في جميع الاتجاهات. الأمر معقد جداً”.
وأضاف: “نصرالله منذ حرب لبنان الثانية عاش كإنسان مطارد، ولذلك كان يلجأ إلى أماكن محصنة. كان علينا أن نعرف أين بالضبط، ليس أي غرفة فحسب بل أي موقع داخل المبنى. كانت أيام ما قبل العملية مليئة بالترتيبات والدقة، لأن أي خطأ بأمتار قليلة يعني الفشل”.
وأوضح أن العملية أبهرت العالم من حيث قدرات الجيش الإسرائيلي والتنسيق بين أذرعه: “المفاجأة لم تكن فقط في أننا نفذنا، بل في أننا نجحنا بدقة عالية. هذا يثبت قوة الجمع بين المعلومات الدقيقة والقدرات التنفيذية”.
وبحسبه، فإن اغتيال نصرالله إلى جانب قادة آخرين مثل إبراهيم عقيل وفؤاد شكر أحدث صدمة في حزب الله: “المنظمة لم تُحسم كلياً لكنها توقفت عن أن تكون فعّالة. وهذا ما أدى في النهاية إلى حسم المواجهة”.
الطائرات القتالية عادت إلى قواعدها، بينما بقي الضباط في غرفة القيادة يتابعون نتائج الضربة عبر المعلومات الاستخباراتية. العميد (أ) الذي أعطى أمر إطلاق 83 قنبلة وصاروخ ختم بالقول: “في البداية يسود الصمت، وبعدها يبدأ الجميع بالتحقق. أحياناً نحتاج أياماً لنعرف النجاح الكامل، لكن هنا عرفنا سريعاً أننا حققنا الهدف”.