“كل فكرة مسلسل ’نهاية امراة‘ بدأت في مقهى مع صديق يهودي. كِلاَنا تلقّينا إشعارًا من واينت بأن امرأة قُتلت في اللد. عندها سألني صديقي: ’قل لي، ما الذي يحدث مع هذا العالم الإجرامي الذي لا يتوقف عن قتل الناس؟‘ فقلت له: ’عادةً، عندما تُقتل النساء، فهنّ لا يُقتلن على خلفية جنائية. المرأة العربية تُقتل فقط لأنها امرأة، لأنها مُهمشة وضعيفة‘.”
بهذه الكلمات يروي موحي الهيب (31 عامًا)، صانع ومخرج مسلسل “نهاية امراة – القصص وراء قتل النساء في المجتمع العربي”، وهو سلسلة وثائقية رائدة وقوية تُعرض على قناة “مكان 33″، المخصصة للمجتمع العربي ضمن هيئة البث الإسرائيلية.
يعيد المسلسل سرد القصص التي تقف خلف قتل خمس نساء في المجتمع العربي، وهذه المرة بمساعدة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تُعيد لكل واحدة منهن اسمًا ووجهًا وصوتًا. هكذا يسلّط الضوء على الواقع المؤلم المختبئ خلف الإحصاءات، ويمنح الضحايا إنسانية وحياة وأملًا قُطِعوا.

في كل حلقة، تُكشف اللحظات الأخيرة في حياة إحدى النساء، من خلال شهادات العائلة والأصدقاء، مواد أرشيفية، خبراء، وتسجيلات درامية.**
موحي الهيب، بدوي وُلد ونشأ في شفاعمرو، يعيش اليوم في القدس مع زوجته وابنتيه. من بين إنجازاته: محرر ومخرج في برنامج التحقيقات “זמן אמת” على قناة كان 11، مبتكر فورمات برنامج “الاتجاه الثاني” مع غاي زوهر، ومخرج مونتاج في برنامج “تعالوا نأكل معًا”، وغيرها. قبل انضمامه لهيئة البث، عمل في قنوات 2 و-10 قبل أن تتحولا إلى “قناة 12″ و”قناة 13”.
“قتل النساء في المجتمع العربي يتم دائمًا تحت مسميات مثل ’شرف العائلة‘ أو لأنها تطلب الطلاق، فتُعتبر هذه أسبابًا ’كافية‘ لقتلها”، يقول الهيب، متحدثًا عن ظروف ولادة فكرة المسلسل الذي يُعرض بمناسبة اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد النساء.
ويضيف: “أنتجنا الحلقة الرابعة عن شريت أحمد شاكور، فتاة درزية عمرها 18 عامًا، قتلها والداها فقط بسبب ميولها المثلية.
كل ’ذنب‘ سمية عماش، بطلة الحلقة الثالثة، أنها طلبت الطلاق.”
ويتابع:
“شعرت بالالتزام. نحن نتعرض لسيل من الإشعارات الإخبارية كل يوم. لا نكاد نحفظ اسم الضحية حتى يأتي إشعار جديد عن ضحية أخرى. أصبح الأمر عادة، وللأسف فقدنا إنسانيتنا. نقرأ الإحصاءات والأسماء دون أن نفهم أي حياة انطفأت خلف هذه الأخبار.
من هنّ هؤلاء الضحايا؟ ماذا كنّ؟ لماذا قُتلن؟ ومن أين بدأ كل شيء؟ من هنا وُلدت فكرة تسليط الضوء على هذا العالم المخفي.”

تهديدات من رجال يحملون أسلحة
قبل عام، بثّت قناة مكان 33 حلقة عن رباب أبو سعيّم بشكل استثنائي، دون متابعة بث باقي الحلقات. يقول الهيب:
“لم أتلقّ تهديدات مباشرة، لكن وصلت رسائل غير مباشرة.”
ويتحدث عن حالة أخرى تخص فيلم “هوية مركّبة”، الذي تناول ثلاث نساء ورجال غيّروا دينهم، وكانت إحدى النساء بدوية اعتنقت اليهودية وقطعت الاتصال بأسرتها.
“اتضح أن عائلتها من عائلات الإجرام الكبيرة في الشمال، فأرسلوا للمخرج رجالًا مسلحين هددوه بالقتل إن عُرض الفيلم. فتوقف البث واستبدلوا قصتها بأخرى.”
ويتابع:
“أنا قلت إنني لست مرتبطًا بسلسلة ’סוף אישה‘، وبثثنا حلقة رباب أبو سعيّم بدون أي أسماء على التتر.”
“نحن نعيش واقعًا خطيرًا – وهذه رقابة ذاتية لحماية حياتك”
يكشف الهيب:
“أمينة أبو سعيّم، والدة رباب، تلقت تهديدًا قبل أسبوع من بث الحلقة، قالوا لها إنه إن عُرضت الحلقة، ستلقى هي وكل من عمل على الفيلم مصير ابنتها.
لكنها قالت لهم: ’لم يبقَ لدي ما أخسره. أريد أن يُعرض الفيلم‘.”

وبالفعل بُثت الحلقة بدون أسماء العاملين، ولم يتحقق أي تهديد.
كما يكشف الهيب:
“في الحلقة نذكر وجود تسريب من الشرطة لخلية تنفيذ القتل، مما أدى إلى معرفة مكان رباب وقتلها. الشرطية التي سرّبت المعلومات تم التحقيق معها وفصلها.”
“مؤلم أن اسمي غير موجود على عمل صنعته”
يقول الهيب:
“الأمر محبط جدًّا. لكن المسلسل اليوم مرشح لجائزة أفضل سلسلة وثائقية لعام 2025، وهناك وضعت اسمي. أعتقد أن عالم الإجرام لم يصل إلى هناك بعد.”
ويضيف:
“النقص في التتر هو جزء من نظام الخوف.”
ويتابع:
“خلال السنة الماضية، حتى 27 نوفمبر، قُتلت 23 امرأة عربية. ومنذ قيام الدولة قُتل نحو 280 امرأة.”
اختيار القصص الخمس
يشرح الهيب:
“أولًا: هذه عائلات وافقت على الظهور. كثيرون رفضوا خوفًا من التهديدات.
ثانيًا: اخترنا القصص وفق الخلفيات المختلفة.”
ويعددها:
- سمية عماش – قُتلت لأنها أرادت الطلاق.
- شريت أحمد شاكور – قتلت بسبب ميولها الجنسية.
- شريفة أبو معمر – معلمة، قتلت برصاص طائش.
- رباب أبو سعيّم – الدولة فشلت في حمايتها رغم التهديدات المتكررة.
- براء مساروة – قتلها زوجها مع طفليهما بسبب مرض نفسي.”

“الذكاء الاصطناعي خلق تحديًا أخلاقيًا كبيرًا”
يتحدث الهيب عن استخدام التقنية:
“أعدنا أصوات الضحايا من تسجيلاتهن الحقيقية. كان يمكنني إعادة الوجوه أيضًا وجعل الضحية ’تتحدث‘. والنتيجة كانت واقعية جدًا.
لكن ظهرت مشكلة: ماذا سيشعر أطفال رباب عندما يرون أمهم ’تتحدث‘ على التلفزيون بعد ثلاث سنوات من وفاتها؟”
“أنا لست غبيًا… كنت أعرف أنني أدخل حقل ألغام”
لكن المسؤولية دفعته للاستمرار:
“ربما لأني شاب. ربما لأنني أؤمن بالسينما كأداة للتغيير. هذا المشروع أنهكني… وأصبح رأسي أصلعًا خلال أربع سنوات من الضغط.”
“يكفيني أن تُنقَذ امرأة واحدة”
“إذا شاهدت امرأة إحدى الحلقات واكتشفت أنها في خطر وقررت الابتعاد عن علاقة عنيفة – فهذا يكفيني. أنقذت إنسانًا.”
تفكيك مفهوم “شرف العائلة”
يقول الهيب:
“في الحلقة عن سمية، تحمل الأم نفسها المسؤولية لأنها أجبرتها على البقاء في علاقة عنيفة.
وفي حلقات أخرى نوضح بشكل مباشر أن ’شرف العائلة‘ ليس شرفًا أبدًا.”
وعن المستقبل؟
“أنا أرى الظلام، لكنني أرفض اليأس. نحن الآن في مرحلة ’تنظيف المجاري‘ كما أقول – مرحلة إخراج كل القاذورات إلى السطح.
إذا جاءت حكومة تهتم فعلًا بالمجتمع العربي، وإذا أصلحنا نحن داخل مجتمعنا ما يجب إصلاحه – فسيكون الأمل ممكنًا.”





